فئران ذات ذكاء أكثر تطورا
ماذا سنفعل الليلة يا برين؟ ما نفعله كل ليلة يا بينكي ؟ سنحاول السيطرة على العالم !
من منا لم يشاهد هذا النوع من أفلام الكرتون،الذي نرى فيه فئراناً تمشي وتتكلم كالبشر، ولكن ماذا سيكون شعورك حين تعلم بأن العلماء قد عدّلوا بالفعل أدمغة بعض الفئران لتحمل بعضاً من أدمغة البشر؟ وكيف تتوقع أن يكون تأثير هذا التعديل على سلوك الفئران؟
هذا ما حصل بالفعل، حيث قام فريقٌ بحثيٌّ بزراعة خلايا من الدماغ البشري في أدمغة صغار الفئران، ليس تحقيقاً لخيالات المؤلفين، ولكن لدراسة مكونات الدماغ البشري في أدمغة الفئران الفعّالة، بدلاً عن دراستها في أطباق الزرع المخبريّة. على سبيل المثال، هذه الفكرة مفيدة جداً لدراسة أمراض الدماغ وتطوّرها في جسد كائن كامل عوضاً عن مراقبة تطوّرها في المختبر، مما يمنح العلماء فهماً أفضل لآلية عمل هذه الأمراض وكيفية التعامل معها.
بقيت الفئران المعدلة تحمل عصبونات "فئرانية"، والعصبونات هي الخلايا المسؤولة عن التفكير، ولكن ما تم استبداله هو النوع الآخر من الخلايا في الدماغ، وهي الخلايا الدبقية، المسؤولة عن عدة وظائف في الدماغ كدعم الخلايا العصبية والتغذية وغيرها، لكنها غير مسؤولة عن التفكير.
قام العلماء بعزل خلايا دبقية (Glial Cells) غير ناضجة مأخوذة من الأجنّة البشرية المتبرع بها، ومن ثم حقن هذه الخلايا في أدمغة صغار الفئران، حيث تمايزت الى نوع محدد من الخلايا الدبقية هو الخلايا النجمية، ( astrocytes) والتي تمنح الدعم للخلايا العصبيّة وتعزز صلاتها التشابكيّة، مما يجعلها تلعب دوراً مهمّا في عملية الوعي. وخلال سنة، تمايزت الخلايا النجميّة البشرية وتكاثرت من 300،000 الف خلية الى 12 مليون خلية، واحتلت معظم المساحة، فيما قامت بدفع الخلايا الدبقية الخاصة بالفئران الى المحيط.
بشكل عام تكون الخلية النجمية البشرية اكبر من خلية الفأر ب 10 الى 20 مرة وتحمل تفرعات 100 مرة أكثر، وتقوم بوظائف عديدة منها دعم اتصالات العصبونات ببعضها (المشابك العصبية) وتنظيم نقل الاشارات بينها، ولذلك فهي تلعب دوراً هاماً في التفكير الواعي كما ذكرنا سابقاً. ونتيجة للفرق في الحجم والكفاءة، فإن استخدام الخلايا البشرية في دماغ الفأر يساهم في رفع كفاءة الدماغ بشكل كبير. وقد استخدم العلماء مجموعة من الاختبارات لفحص الوظائف الإدراكية لدى الفئران المعدّلة ليتبيّن أنّها أذكى بكثير من نظيرتها العادية، حيث أظهرت احدى التجارب انَّ الفئرن المعدّلة تملك ذاكرة أقوى بأربع مرات من الفئران التي لم يتم تعديلها.
ومن الأمور المهمة التي سيعمل عليها العلماء مستقبلاً هي معرفة ما إذا كانت الخلايا البشرية تعمل في أدمغة الفئران بنفس الطريقة التي تعمل بها في الأدمغة البشرية، لأن ذلك يساهم في حل سؤال آخر يتعلق بقدرة الوسط المحيط على التأثير في تمايز الخلايا غير الناضجة، أو أنَّ الخلايا تتمايز وفق برنامج محدد مسبقاً، حيث أنَّ الفريق قام في تجربة موازية بحقن الخلايا في أدمغة فئران تملك قدرة ضعيفة على تصنيع النخاعين (المادة التي تعزل الالياف العصبية عن بعضها في الدماغ) وكانت االنتيجة أنَّ الخلايا البشرية تمايزت الى خلايا دبقية قليلة التغصّنات التي تخفف من تأثير نقص النخاعين بدل التمايز الى خلايا نجمية كما في التجربة الأساسية. مما يدل على أنَّ هذه الخلايا تأثرت بحاجة الوسط المحيط وأدت الوظيفة التي تناسب احتياجاته. ولهذا الامر تطبيقات علاجية هامة، خاصة في الأمراض التي تسبب أذى لطبقة النخاعين كما في التصلب المتعدد، وقد بدأ الفريق البحثي العمل على تجربة علاجية عند البشر تعتمد على الخلايا المولدة الدبقية وقد تبدأ التجربة خلال عام واحد.
يعلّق غولدمان رئيس الفريق البحثي أنَّ هذه الاضافات الى الفئران لا تجعل منها بشرية باي شكل، ولا تضيف اليها أي قدرات خاصة بالبشر، انما تعمل على تحسين قدراتها الاصلية، من خلال زيادة كفاءة شبكتها العصبية الخاصة، وفي النهاية هي لا تزال فئران.
وإذا كنت بانتظار أن يقوم الفريق بزرع الخلايا البشرية في دماغ الشمبانزي لترى إن كان سيتكلم، فيبدو انك ستنتظر فريقا آخر، لأن الفريق الحالي قرر عدم القيام بالتجربة على الرئيسات نظراً لاعتبارات أخلاقية، حيث تثير التجارب المُماثلة التساؤلات حول خطورة جعل الحيوانات اكثر شبها بالبشر، وحينها يصبح الامر خطيراً بشكل جدي.
رغم أن جميع الحيوانات تتواصل مع بعضها، إلا أن البشر هم الوحيدون الذين يصنعون ويفهمون اللغات. هذه الدراسة تهدف إلى معرفة التغييرات الجينية التي أدّت إلى هذه القدرة...
تقترح هذه الدراسة أن المورثة البشرية المسماة Foxp2 قد تكون هي السبب في تطوير قدرات التواصل المتميزة لدى البشر...
في الحقيقة تحمل الفئران مورثة Foxp2 ولكنها تختلف عن مورثة Foxp2 البشرية، حيث ترمز لبروتين يختلف عن البروتين الذي تنتجه المورثة البشرية بحمضين أمينيين، و اقترحت دراسة في عام 2009، أن الفئران التي تحمل Foxp2 البشرية شكلت عدداً أكبر من العصبونات وكانت أفضل في تشكيل الاتصالات بين خلايا الدماغ. هذه الدراسة الجديدة بحثت في أثر هذه التغيرات على قدرات الفئران الإدراكية.
لتجربة ذلك قام العلماء بضم مورثة Foxp2 البشرية للفئران عن طريق الهندسة الوراثية، ودربوها لإيجاد الطعام ضمن متاهة، وجعلوا الطريق الصحيح للطعام مميزاً بنوعين من العلامات (أدوات موضوعة على الطريق الصحيح، ملمس خاص لأرضية الطريق الصحيح)، فوجدوا أن هذه الفئران تعلمت مسلك الطريق الصحيح خلال (7) أيام فقط، بينما استغرق الأمر من مجموعة الفئران الأخرى الطبيعية (11) يوماً.
المثير للاهتمام أن الفَرْقَ في سرعة التعلم ظهر فقط عند استخدام طريقتين لتمييز الطريق الصحيح وتعليم الفئران (الأدوات وملمس الأرضية). أما عند إزالة الأدوات مثلاً وجعل الفئران تحفظ الطريق الصحيح عن طريق ملمس الأرضية فقط، فإن مجموعتي الفئران كان لهم نفس السرعة في التعلم.
يعتقد العلماء أن هذه المورثة سَرَّعت التعلّم لدى الفئران وذلك بتحويل خبراتهم إلى عادات وتثبيتها في الذاكرة، وهو الأمر الأساسي في تعلم اللغة. فعلى سبيل المثال، عندما نريد أن نتعلم الكلام فإننا نحتاج إلى أن نربط بين سماع كلمة (كأس) ورؤية الكأس، ومع مرور الوقت، وكلّما نرى كأساً نصبح قادرين على ربطه بكلمة (كأس).
ووجدوا أيضاً أن هذه المورثة تستطيع إيقاف عمل الدوبامين (ناقل عصبي في الدماغ) في مناطق مسؤولة عن التعلم، كما تستطيع إيقاف عمل بعض العصبونات في مناطق معينة. هذه الأمور - وكما يقول العلماء - أساسية في عملية تعلم أشياء جديدة وتشكيل الذكريات، وعلى مايبدو فإلتغيرات في مستوى الدوبامين، وتوقف عمل بعض المناطق المحددة، يُظهِران لنا مقدار التأثير على السلوك الذي تستطيع مورثة متطورة أن تقوم به...
تعديل مورثة واحدة جعلت الفئران أكثر ذكاء.. يا ترى اذا تم تعديل عدة مورثات في حيوانات أخرى، هل ستنوصل لحيوانات متفوقة!؟
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ المصادر.
هنا
هنا
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تابعونا على صفحتنا نافذة العلم
اضغط على السمايل للحصول على الكود: :) =( :s :D :-D ^:D ^o^ 7:( :Q :p T_T @@, :-a :W *fck* x@