غزة السفاردية ورام الله الإشكنازية.


بقلم : حسام أبو النصر


أمام عقدة يهودية قديمة لم يتخلص منها المجتمع الإسرائيلي حتى بعد إعلان قيام إسرائيل 1948 ؛ بل تعمقت الفجوة بعد احتكاك مباشر بين مجتمعين متنافرين الاشكنازين والسفرديم ، واسرائيل وجدت بالمقابل في فلسطين مجتمع مترابط دينيا ،وقوميا، وفكريا، وروحيا، بعكس مجموع الشتات التي عملت الصهيونية على جمعه في فلسطين ، فأرادت أن تحول المجتمع الفلسطيني لمتفكك في روابطه وعملت على ذلك بكل السبل المتاحة طوال سنوات الاحتلال ، النتيجة انها فعلا وجدت نفوس فلسطينية مريضة أوصلت المجتمع إلى حالة التفكك والتشرذم في كل شيء رغم وحدته الوطنية في مناطق الشتات قبل اوسلو ، تجمعه قوميته وعروبته بالأصل ، النتيجة ان إسرائيل أوجدت منطقتين جغرافيتين للتواجد الفلسطيني في فلسطين التاريخية ، وهي فمثلت غزة السفاردية والضفة ممثلة برام الله الاشكنازية .


فبالمفهوم التاريخي عانا السفرديون ذات الأصول العربية والشرقية من اضطهاد الاشكنازين ذات الأصول الأوربية الغربية ، وكانوا ينظرون لسفردين نظرة دونية والتعامل معهم درجة ثانية بل عندما استوطنوا فلسطين سميوا إسرائيل الثانية فيما شكل الاشكناز الاوائل اسرائيل الأولى واستولوا على أعلى المناصب في الدولة ، واستغلوا السفردين كجهات عاملة ممكن ان تساهم في بناء إسرائيل وأشغالهم بالأعمال الزراعية والصناعية على ان يبقى الحكم للاشكناز ، وصعوبة وصولهم لمناصب عالية في الحكم ، انا اعتقد جازما ان هذا الشكل للتباعد الإنساني والمجتمعي بين غزة ورام الله لم يكن موجود في زمن الرئيس الراحل ياسر عرفات رغم بقاء التباعد الجغرافي الذي اوجده الاحتلال ، بل عمل عرفات على لم الشمل لكن القيادة من بعده عملت على زيادة الفجوة من خلال سلوكيات احسها ابناء غزة السفردية من اضطهاد وقد يكون احد اشكال العداء وصل إلى ذروته حين أقدمت حماس على السيطرة على غزة من بسبب ممارسات الضفة حسب قولها إلا أنها أججت مشاعر العداء ، اما الشعب الغزي منذ ذلك الحين وقع فريسة الاضطهاد الوظيفي والمجتمعي من رام الله الاشكنازية بل ووصل إلى حالة الاذلال في الحصول على ابسط الحقوق من كهرباء وماء ودواء وطعام وغاز وغيرها من المواد الرئيسية مع ابقاء حق الموت الرحيم والتحويلات في حالة الموت السريري جعل من حكام غزة السفردية يفرضون اتاوات على فقراء غزة والأكل من اللحم الحي من اجل بقاء غزة تحت السيطرة .

بينما الاشكنازيون في حكم رام الله سيطروا على الرئاسة والحكومة وسيطروا على المال وتعاملوا مع غزة مجتمع نامي متخلف يعجه الآفات المجتمعية جراء الحصار وقلة المال والحيلة ، مجتمع عاش ثلاث حروب كانت كفيلة بإسقاط ثلاث دول عظمى ، فوقع فريسة الفقر والجوع حتى برجاوزي غزة السفردية فقدوا راس المال وتحول جزء كبير منهم لطبقة وسطى ، في حين حافظ الاشكناز على الحكم والاملاك وحملوا جنسيات الاجنبية ويستعينوا بكادحي المحافظات الأخرى في الضفة باعتبارهم كالاروبيون الشرقيين درجة تانية . وحتى التعامل مع الاشكنازي رام الله من قبل اسرائيل يختلف عن التعامل مع غزة المعادية ، فيؤمن لهم خروج عبر المعابر ، والدول العربية تحترم هوية رام الله ، فيما يلعن ويلاحق كل من يحمل هوية غزة . القيادة الاشكنازية عززت هذا التوجه ولم تدافع عن ابناءها السفرديم الغزاويين في الدول العربية سواءا في الترحيل والاعتقال والطرد ، بل حتى المجتمع الإسرائيلي نجح في عزل اليهود السفرديم عن محيطيهم العربي وهذا ما حققته رام الله الاشكنازية فعزلت غزة عن محيطها العربي وجعلته جسم مشبوه ومنبوذ من اغلب الدول العربية ولم تراعي التفرقة بين الاطياف الحزبية ومسؤولية حماس بل اعتبرت كل الشعب الغزي السفردي متهم ، وهنا اعود لما قبل عام 2000 حين فتح الممر الآمن روجت مجموعة أصفها بالمشبوهة والطابور الخامس أبناء غزة القادمين للضفة بمجموعة الهمج والبربر وانهم مسؤولين عن عمليات سرقة واتلاف وفساد ، فيما وصل الوصف ان اهل رام الله لا يفتحون الباب لغزاوي ، هذه القصة ظلت عالقة في نفوس اشكناز الضفة واثرت على النسيج المجتمعي وساعدت القيادة الاشكنازية في تحقيق مبتغاها في تفكيك المجتمع.

لقد اختلفت الأمور كثيرا الآن ولا يمكن الرجوع لنقطة الممر الآمن بسهولة لما خلفته الممارسات الاشكنازية ضد السفارديم الغزاويين ، وحتى في اطار حكم السلطة استبعد ولوحق من ينتمي لسفارديم غزة وابقوا على الموالين في الضفة ، في حين ينظر للطائفة الغزاوية المقيمة في رام الله بدرجة ثالثة باعتبار ان الدرجة الثانية تكون لمن خارج رام الله ، حتى في افراحهم وعزاءاهم نجد الطائفة الغزية في رام الله تلملم نفسها بالكاد مع حضور خجول من الاشكناز ، قد يتهمني البعض بالتحامل والوقاحة والهجوم اللاذع ؛ لكن كل ذلك لن يغير المفهوم الحقيقي ، والعام والتفسير المنطقي الوحيد ، وهو ما تعيشه غزة الآن حين يكفكف قيادات رام الله جراح أبناءها من جراء منخفض او كارثة هنا وهناك ، في حين تعيش غزة كل الكوارث يمنع حتى فرق الإغاثة العالمية لإنقاذها ، لا نجد تفسير لذلك !!! ، ولم يعد الموضوع صراع فتح وحماس بقدر انه صراع طبقي خطير بين فئتين تتوسطهما فجوة حقيقة خلقتها السنوات السابقة بين غزة والضفة ، ولا يمكن الدمج للطبقتين حتى في مستوى المعيشي ، والدخل والاقتصاد ، بل انه أصبح من الضروري تأمين الموظف الاشكنازي بسبب غلاء المعيشة في رام الله ، والحفاظ على المستوى المعيشي الذي تعوَد عليه على حساب الموظف الغزاوي السفردي الفقير ، تحت مبدأ الحكم للأقلية الاشكنازية على الأغلبية السفردية في محاولة حتى لقلب معنى الديمقراطية ، لا اعلم ما نتيجة هذا المقال ، قد يكون مزيدا من الاستهداف للسفرديم وانا منهم في غزة ، او الرجوع للغة العقل والتعامل معهم كجزء من نسيج المجتمع الفلسطيني من جديد ومشاركتهم في الحلو والمر ، وهذا ما قبلت به اخيرا القيادة الاشكنازية الإسرائيلية في تعاملها مع السفارديم اليهود ، وبالمجمل فإننا أصبحنا لا نختلف عن اليهود في تعاملنا مع بعضنا البعض ، وتطبعنا بطبعهم ، مع بقاء الشكل الفلسطيني . 

راسلونا على صفحتنا : نافذة علم




اضغط على السمايل للحصول على الكود: :) =( :s :D :-D ^:D ^o^ 7:( :Q :p T_T @@, :-a :W *fck* x@

TOP