التاريخ... في تأثيره على الحاضر

بقلم
عبيدة محمود ياسين

إن التاريخ هو سلسلة من الأحداث، التي مرت بها الجماعة البشرية، سواء جزء منها أو كلها، والمعروف أن التاريخ هو ما مضى، وما سيصبح ماضيا في المستقبل، لكن في الحقيقة وفي الواقع فإن للتاريخ التأثير الأكبر على الواقع الحاضر، فالتاريخ والحاضر والمستقبل أشبه ما تكون بأجزاء الليغو(لعبة المكعبات) التي تتصل مع بعضها البعض منتجة شيئاً له معنى، يعطي فكرة، فاتصال التاريخ والحاضر والمستقبل يكون رابطاً بين الحضارات البشرية، وبين الأفكار، وهو سبب تكون الفكر البشري العميق والمزدهر، وهو عبارة أحداث يكون تأثيرها كبيراً في بعض الأحيان، أو قليلاً في أحيان أخرى، بما يتبعها من الأفكار والآراء والحضارات والمجتمعات.   

لنأخذ على سبيل المثال اكتشاف النار، ربما تعد النار أمراً غير مهم بل ضارا في وقتنا الحالي، وقد تكون كلمة " النار" كلمة تدل على الخطر في معظم الأحيان، لكن لنعد في طيات الزمن، ونرجع للوراء آلاف السنين، بل ربما مليارات والله أعلم، هناك حيث كان ذلك الإنسان الأول يضرب حجرين ليصنع شيئاً حاداً يصطاد به، وفجأة اشتعلت النيران، ذلك الشخص شعر بالدفئ من هذا الأمر المشع الغريب، هو لا يعرف كيف نتج، لكنه أصبح يعرف كيف ينتج  بعدما تكررت العملية مراراً، هو أصبح يعرف أن النار سبيل للتدفئة، وعندما وقعت قطعة لحم من غزال اصطاده في النار، اشتم رائحة الشواء الرائعة، ثم تتبع الرائحة بحاسة شم قوية ووجد أنها قطعة اللحم، التي عندما تذوقها كانت ذات طعم آخر ولذيذ شهي... وهكذا وبهذا التسلسل أصبحت فوائد النار لذلك الإنسان تتضح شيئاً فشيئاً.

لقد كان للنار سبب في حدوث اكتشافات جديدة، ففائدتها  امتدت للآن، حتى أصبحت تلك النار ضارة. النار حدث في تاريخ البشرية أثرت على تفكير الإنسان بطريقة أخرى للعالم، فكل اكتشاف وابتكار جديد للجماعة البشرية هو حدث له تأثير على حالتها ونظرتها، والنظرة هي الفكر، فأنا يمكنني أن أعرف الفكر على أنه نظرة الإنسان للعالم من منظور معين، لذلك نقول الفكر الإسلامي، الفكر المسيحي، الفكر الإلحادي، كل ينظر للعالم يمنظور معين.

فالأحداث التي تصيب الإنسان سواء تقع منه عليه أو تقع من غيره عليه تؤثر في تفكيره. ثم إن هناك أمرا مهماً آخرا، ألا وهو كيف يرتبط  الحدث الماضي بالفكر الحاضر؟ لقد قلت أن الفكر الحاضر يتأثر بالحدث الحاضر، كذلك، الفكر الحاضر يتأثر بالحدث الماضي أيضاً، بدليل أن الإنسان الذي عاش في القرن الثامن عشر، يعرف من أسرار الحياة أكثر من الذي عاش في القرن الخامس عشر، والذي عاشر في القرن الخامس عشر، يعرف أكثر من الذي عاش في القرن الخامس قبل الميلاد، وهنا يتبين تطور الفكر بصورة واضحة وضوح الشمس في السماء الصافية.، ووتتبين خاصية من خواص الفكر ألا وهي التراكمية، فالفكر الإنساني عبارة عن أفكار متجمعة، فتطور الفكر ناجم عن تجمع الفكر، حيث أنه كما قلت سابقاً الفكر هو  نظرة الإنسان للعالم من منظور معين، فإن هذه النظرات تتجعم لتكون نظرة أخرى، هذا الأمر يمكن تشبيهه بعالم فيزياء نظرية اكتشف اكتشاف عن طريق البحث النظري في الاكتشافات التطبيقية، فعند النظر إلى نظرات متعددة من الخارج تصبح النظرة أوسع وأكثر شمولاً من كل نظرة لوحدها.... وللتوضيح يمكن أن تكون الأحداث على مر التاريخ ممثلة بنقاط متفرقة، بعد زمن تصبح هذه النقاط بالنسبة للذين هم في الحاضر كدائرة، وهذه الدائرة تمثل الزمن بأحداثه، أي أنها نظرة خاصة للعالم، وعندما يتجمع عدد كبير من الدوائرة تتجمع كلها لتشكل دائرة أكبر، تكبر كلما زادت الدوائرة، وهذه الدائرة الكبيرة هي الفكر الإنساني، الذي تجمع على مرة التاريخ، فنظرة الإنسان إلى الفكر الذي سبقه تعطيه انطباعاً جديداً عن العالم.

وإضافة لكون الفكر الحاضر يتأثر بالحدث الحاضر والفكر الماضي، فإن للحدث الماضي وليس الفكر الماضي وإنما كحدث تأثيراً كبيراً على الفكر الحاضر للإنسان أو للمجتمع، فمعرفة حدث في الماضي تؤثر بالفكر بطريقة معينة، ولول بشكل غير مباشر، فمعرفة الفكر البشري في القرن العشرين يختلف تأثيرها عن تأثير ناجم عن معرفة حدث قامت به جماعة أو قام به شخص في ذلك الزمن.

 كل هذه الأمور هي تكون فكر، أحداث أثرت في تاريخ البشرية، فالفكر مبني على ما قبله، فما هو موجود لم يأتي عبثاً، الفكر الإنساني هو عبارة عن حصيلة جهود البشرية جمعاء، إن اكتشاف النار بمثابته أساس من أساسات التطور الذي نعيشه اليوم، إن اختراع الآلة البخارية هو عبارة عن نتاج من نتائج البشرية جمعاء، لا شيء يأتي لوحده، حتى هذه الكلمات التي أكتبها لم تأتي هكذا من عبث، إنما هي قراءة وبحث ومعرفة، حتى يتكون لدي الفكر، وهذه الكلمات من يقرأها ستؤثر في فكره لو برفضها... فالتاريخ هو جزء من الحاضر، بل الجزء الأكبر منه.



بقلم : عبيدة محمود ياسين.